منتدي عائلة الهواري
قصة سيدنا موسى عليه السلام  498700978
منتدي عائلة الهواري
قصة سيدنا موسى عليه السلام  498700978
منتدي عائلة الهواري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــنتـديـات عــائـلة الـهــوارى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالدردشةالتسجيلدخول
تعلن ادارة المنتدى لجميع الاعضاء الكرام ان المنتدى ان شاء الله شغال على طول وان شاء الله انتظرو كل الجديد تحياتى ادارة المنتدى
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» الباتش المنتظر .. باتش الدوري المصري Pes 2013 Egy Patch
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 22:25 من طرف هيما الهوارى

» القرآن الكريم كاملا لنجل فضيلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد القارئ الشيخ طارق عبد الصمد
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 22:22 من طرف هيما الهوارى

» | DVD-R5 | بانفراد تاااام : الفيلم النتظر من الجميع " عبده موتة " بطولة محمد رمضان ودينا تحميل مباشر !
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 22:16 من طرف هيما الهوارى

»  10 نصائح لتهدئة طفلك عند البكاء
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 22:05 من طرف هيما الهوارى

» الصحافة اليوم.. الأهلي يترقب عودة الدوري لتحديد الصفقات..وخشبة:مصلحة النادي أولاً
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 14:01 من طرف هيما الهوارى

»  حالة النسيان عند الحامل.. أمر طبيعي
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 13:59 من طرف هيما الهوارى

» اخطار المكرونه سريعه التحضير Instantnoodles
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 21 ديسمبر 2012, 13:50 من طرف هيما الهوارى

» تاريخ عائلة الهوارى
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالجمعة 05 أكتوبر 2012, 12:43 من طرف الهواري محمد

» أمساكية شهر رمضان 1433 - أمساكية شهر رمضان 2012 لجميع الدول العربية
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالإثنين 25 يونيو 2012, 10:26 من طرف هيما الهوارى

» الرئيس المصري المنتخب يتعهد الحفاظ على "الاتفاقيات المصرية مع العالم"
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالإثنين 25 يونيو 2012, 10:18 من طرف هيما الهوارى

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
هيما الهوارى
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
حلمى الحمزاوى
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
ملاك2010
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
مي نور
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
nody
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
elhawary love
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
bosy
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
اهلاوية موووت
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
حبيبه
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
سحر العيون
قصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_rcapقصة سيدنا موسى عليه السلام  Voting_barقصة سيدنا موسى عليه السلام  Vote_lcap 
google
برامج تهمك
 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 
اذكار الصباح والمساء

مواعيد الصلاة للقاهرة
صفحتنا على الفيس بوك

 

 قصة سيدنا موسى عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هيما الهوارى
المدير العام

المدير العام
هيما الهوارى


عدد المساهمات : 1833
تاريخ التسجيل : 13/10/2010
العمر : 35
الموقع : المنصورة _ ميت غمر

قصة سيدنا موسى عليه السلام  Empty
مُساهمةموضوع: قصة سيدنا موسى عليه السلام    قصة سيدنا موسى عليه السلام  Emptyالإثنين 20 ديسمبر 2010, 18:55


موسى عليه السلام






قصة سيدنا موسى عليه السلام  Moosa_150



أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده
بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده
التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله
فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم
أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن
أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون
هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.سيرته:
أثناء حياة يوسف علي السلام بمصر، تحولت مصر إلى التوحيد. توحيد الله سبحانه، وهي الرسالة التي كان يحملها جميع الرسل إلى أقواهم.لكن
بعد وفاته، عاد أهل مصر إلى ضلالهم وشركهم. أما أبناء يعقوب، أو أبناء
إسرائيل، فقد اختلطوا بالمجتمع المصري، فضلّ منهم من ضل، وبقي على التوحيد
من بقي. وتكاثر أبناء إسرائيل وتزايد عددهم، واشتغلوا في العديد من الحرف.ثم
حكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه. ورأى هذا الملك بني إسرائيل
يتكاثرون ويزيدون ويملكون. وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول إن واحدا من أبناء
إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه.فأصدر الفرعون أمره ألا يلد أحد
من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي وليد ذكر. وبدأ تطبيق النظام، ثم قال
مستشارون فرعون له، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار
يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي
العاملة بها. والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم
في العام الذي يليه.ووجد الفرعون أن هذا الحل أسلم. وحملت أم موسى
بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما جاء
العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى. حمل ميلاده خوفا عظيما لأمه.خافت
عليه من القتل. راحت ترضعه في السر. ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله
إليها فيها للأم بصنع صندوق صغير لموسى. ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق.
وإلقاءه في النهر.كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ
بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها،
والله هو ربه ورب النيل.لم يكد الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر
الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي
سيكون نبيا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمره للنار أن تكون بردا
وسلاما على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى
يسلمه إلى قصر فرعون.وحملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون. وهناك أسلمه الموج للشاطئ.رفض موسى للمراضع:
وفي ذلك الصباح خرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر. وكانت زوجة فرعون
تختلف كثيرا عنه. فقد كان هو كافرا وكانت هي مؤمنة. كان هو قاسيا وكانت هي
رحيمة. كان جبارا وكانت رقيقة وطيبة. وأيضا كانت حزينة، فلم تكن تلد. وكانت
تتمنى أن يكون عندها ولد.وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من
النهر، وجدن الصندوق، فحملنه كما هو إلى زوجة فرعون. فأمرتهن أن يفتحنه
ففتحنه. فرأت موسى بداخله فأحست بحبه في قلبها. فلقد ألقى الله في قلبها
محبته فحملته من الصندوق. فاستيقظ موسى وبدأ يبكي. كان جائعا يحتاج إلى
رضعة الصباح فبكى.فجاءت زوجة فرعون إليه، وهي تحمل بين بيدها طفلا
رضيعا. فسأل من أين جاء هذا الرضيع؟ فحدثوه بأمر الصندوق. فقال بقلب لا
يعرف الرحمة: لابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل. أليس المفروض أن يقتل أطفال
هذه السنة؟فذكّرت آسيا - امرأة فرعون - زوجها بعدم قدرتهم على وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته. سمح لها بذلك.عاد
موسى للبكاء من الجوع. فأمرت بإحضار المراضع. فحضرت مرضعة من القصر وأخذت
موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها. فحضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى
يبكي ولا يريد أن يرضع. فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.لم
تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفع موسى لجميع المراضع.
فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية. لم تكد ترمي موسى في النيل حتى
أحست أنها ترمي قلبها في النيل. غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره.وجاء
الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنا على ابنها، وكادت تذهب إلى
قصر فرعون لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون. لولا أن الله تعالى ربط على
قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله. كل ما في
الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث
لموسى.وذهبت أخت موسى بهدوء ورفق إلى جوار قصر فرعون، فإذا بها تسمع
القصة الكاملة. رأت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون
كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع. وقالت أخت موسى لحرس فرعون: هل
أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟ففرحت
زوجة فرعون كثيرا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة. وعادت أخت موسى
وأحضرت أمه. وأرضعته أمه فرضع. وتهللت زوجة فرعون وقالت: (خذيه حتى تنتهي
فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرا عظيما على تربيتك له).وهكذا
رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد
الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء. ورغم كل شيء.نشأة موسى في بيت فرعون:
أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون. كان موضع حب الجميع. كان لا يراه
أحد إلا أحبه. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله وعنايته.
بدأت تربية موسى في بيت فرعون. وكان هذا البيت يضم أعظم المربين والمدرسين
في ذلك الوقت. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض.وكان فرعون أقوى
ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين
في الأرض. وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده
أعظم المدرسين، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد
تنفيذا لمشيئة الخالق.وكبر موسى في بيت فرعون. كان موسى يعلم أنه
ليس ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل. وكان يرى كيف يضطهد رجال
فرعون وأتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده.. {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ
عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} وراح يتمشى فيها. فوجد رجلا من
إتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف
فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله.كان موسى قويا جدا، ولم
يكن يقصد قتل الظالم، إنما أراد إزاحته فقط، لكن ضربته هذه قتلته. ففوجئ
موسى به وقد مات وقال لنفسه: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ
عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}. ودعا موسى ربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}. وغفر الله تعالى له، {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ}.أصبح موسى {فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}.
كان هذا حال موسى، حال إنسان مطارد، فهو خائف، يتوقع الشر في كل خطوة، وهو
مترقب، يلتفت لأوهى الحركات وأخفاها.ووعد موسى بأن لا يكون ظهيرا
للمجرمين. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدافع عن أحد من
قومه. وفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس وهو يناديه
ويستصرخه اليوم. كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد المصريين. وأدرك موسى بأن
هذا الإسرائيلي مشاغب. أدرك أنه من هواة المشاجرات. وصرخ موسى في
الإسرائيلي يعنفه قائلا: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ}.قال موسى
كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش
به هو. دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخا، وذكّره بالمصري الذي قتله
بالأمس. فتوقف موسى، سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف استغفر وتاب
ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه.وأدرك
المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا
على جثته أمس. ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل. فنشر هذا المصري
الخبر في أرجاء المدينة. وانكشف سر موسى وظهر أمره.وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا. ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.لم
يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى. ونرجح أنه كان رجلا
مصريا من ذوي الأهمية، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا،
ولو كان شخصية عادية لما عرف. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على
ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ. فيجب أن تكون عقوبته السجن على أقصى
تقدير.لكن رؤساء القوم وعليتهم، الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى
لأنه من بني إسرائيل، ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر،
وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى، فهو قاتل المصري، لذا فهو يستحق
القتل.خرج موسى من مصر على الفور. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب. في
قلبه دعاء لله {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. وكان القوم
ظالمين حقا. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا
أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟خرج موسى من مصر على عجل.
لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان. كان هذا المكان هو مدين. جلس
يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم. وكان خائفا طوال الوقت أن
يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى
ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح. نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن
ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب. لم تكن معه نقود لشراء نعل
جديدة. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب.
سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم؟

فقالت واحدة منهما: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.

فقال موسى: سأسقي لكما.ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَىفأجاب موسى: نعم.قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًىانحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.عاد
الحق سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ
أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ
عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}...
(طه).زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه..أجاب موسى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}.قال الله عز وجل: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى}.رمى
موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان
عظيم الحجم هائل الجسم. وراح الثعبان يتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم
خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد
يجري خطوتين حتى ناداه الله: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ
لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}.عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.قال الله سبحانه وتعالى لموسى: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}.مد
موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا. عاد
الأمر الإلهي يصدر له: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء
مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}.وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..اطمأن
موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة
اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني
إسرائيل من مصر. وأبدى موسى خوفه من فرعون. قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن
يقتلوه. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون.طمأن الله موسى أنه
سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء. أفهم
الله موسى أنه هو الغالب. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر
أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه. ثم قفل موسى راجعا لأهله بعد اصطفاء
الله واختياره رسولا إلى فرعون. انحدر موسى بأهله قاصدا مصر.يعلم
الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر. انتهى زمان
التأمل، وانطوت أيام الراحة، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا، وها هو ذا موسى
يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم. يعلم موسى
أن فرعون مصر طاغية.يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع. يعلم
أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل. لقد أمره الله تعالى
أن يذهب إلى فرعون. أن يدعوه بلين ورفق إلى الله.أوحى الله لموسى أن
فرعون لن يؤمن. ليدعه موسى وشأنه. وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل
والكف عن تعذيبهم. قال تعالى لموسى وهارون: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا
رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا
تُعَذِّبْهُمْ}. هذه هي المهمة المحددة. وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات..ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة: {وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} فما كانت
تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل، وقتل أبنائهم،
مما دفع أمي لوضعي في التابوت وإلقاءه في اليم، فتلتقطه فأتربى في بيتك، لا
في بيت أبويّ. فهل هذا هو ما تمنه علي، وهل هذا هو فضلك العظيم؟!عند هذا الحد تدخل الفرعون في الحديث.. {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

قال موسى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ}.

التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا: {أَلَا تَسْتَمِعُونَ}.

قال موسى متجاوزا سخرية الفرعون: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}.

قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}.

عاد موسى يتجاوز اتهام الفرعون وسخريته ويكمل: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}.نلاحظ
أن فرعون لم يكن يسأل موسى عن رب العالمين أو رب موسى وهارون بقصد السؤال
البريء والمعرفة. إنما كان يهزأ. ولقد أجابه موسى إجابة جامعة مانعة محكمة
{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}. هو
الخالق. خالق الأجناس جميعا والذوات جميعا.وهو هاديها بما ركب في
فطرتها وجبلتها من خواص تهديها لأسباب عيشها. وهو الموجه لها على أي حال.
وهو القابض على ناصيتها في كل حال. وهو العليم بها والشاهد عليها في جميع
الأحوال.لم تؤثر هذه العبارة الرائعة والموجزة في فرعون. وها هو ذا يسأل: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} لم تعبد ربك هذا؟لم
يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه. ويرد موسى ردا يستلفته إلى أن
القرون الأولى التي لم تعبد الله، والتي عبدته معا، لن تترك بغير مساءلة
وجزاء. كل شيء معلوم عند الله تعالى. هذه القرون الأولى {عِلْمُهَا عِندَ
رَبِّي فِي كِتَابٍ}. أحصى الله ما عملوه في كتاب. {لَّا يَضِلُّ رَبِّي}.
أي لا يغيب عنه شيء. {وَلَا يَنسَى}. أي لا يغيب عن شيء. ليطمئن الفرعون
بالا من ناحية القرون الأولى والأخيرة وما بينهما. إن الله يعرف كل شيء
ويسجل عليها ما عملته ولا يضيع شيئا من أجورهم.ثم استلفت موسى نظر
فرعون إلى آيات الله في الكون. ودار به مع حركة الرياح والمطر والنبات
وأوصله مرة ثانية إلى الأرض، وهناك افهمه أن الله خلق الإنسان من الأرض،
وسيعيده إليها بالموت، ويخرجه منها بالبعث، إن هناك بعثا إذن. وسيقف كل
إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى. لا استثناء لأحد. سيقف كل عباد الله
وخلقه أمامه يوم القيامة. بما في ذلك الفرعون. بهذا جاء موسى مبشرا ومنذرا.}.ألقى
موسى عصاه في ردهة القصر العظيمة. لم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت إلى
ثعبان هائل يتحرك بسرعة. ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء
كالقمر.تحدي السحرة:
وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل. حيث شاور فرعون الملأ من حوله فيما
يجب فعله. والملأ لهم مصلحة في أن تبقى الأمور على ما هي عليه، فهم مقربون
من فرعون، ولهم نفوذ وسلطان. فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله،
فيجمع السحرة لتحدي موسى وأخاه.حدد الميقات، وهو يوم الزينة. وبدأت
حركة إعداد الجماهير وتحميسهم فدعوهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد،
ليراقبوا فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي! والجماهير دائما تتجمع
لمثل هذه الأمور.أما السحرة، فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنون على الأجر
والمكافأة إن غلبوا موسى. فهم جماعة مأجورة، تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي
تنتظره؛ ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية، ولا شيء سوى الأجر
والمصلحة. وهم هم ألاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في
الخداع. وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر. يعدهم أن يكونوا من
المقربين إليه. وهو بزعمه الملك والإله!وفي ساحة المواجهة. والناس
مجتمعون، وفرعون ينظر. حضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام، وحضر السحرة
وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل، وكلهم ثقة بفوزهم في هذا التحدي.لذا
بدءوا بتخيير موسى: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ
مَنْ أَلْقَى} وتتجلى ثقة موسى -عليه السلام- في الجانب الآخر واستهانته
بالتحدي {بَلْ أَلْقُوا} فرمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون
{فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ
إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}.رمى السحرة بعصيهم وحبالهم فإذا
المكان يمتلئ بالثعابين فجأة {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}. وحسبنا أن يقرر القرآن
الكريم أنه سحر عظيم {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، لندرك أي سحر كان.
وحسبنا أن نعلم أنهم {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} وأثاروا الرهبة في
قلوبهم {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} لنتصور أي سحر كان. فنظر موسى عليه السلام إلى
حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف.في هذه اللحظة، يذكّره ربّه بأن
معه القوة الكبرى. فهو الأعلى. ومعه الحق، أما هم فمعهم الباطل. معه
العقيدة ومعهم الحرفة. معه الإيمان بصدق الذي دفعه لما هو فيه ومعهم الأجر
على المباراة ومغانم الحياة. موسى متصل بالقوة الكبرى والسحرة يخدمون
مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا.لا تخف {وَأَلْقِ مَا فِي
يَمِينِكَ} وستهزمهم، فهو سحر من تدبير ساحر وعمله. والساحر لا يفلح أنى
ذهب وفي أي طريق سار، لأنه يعتمد على الخيال والإيهام والخداع، ولا يعتمد
على حقيقة ثابتة باقية.اطمأن موسى ورفع عصاه وألقاها. لم تكد عصا
موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى. وضخامة المعجزة حولت مشاعر
ووجدان السحرة، الذين جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس على الفوز لنيل الأجر.
الذي بلغت براعتهم لحد أن يشعر موسى بالخوف من عملهم. تحولت مشاعرهم بحيث
لم يسعفهم الكلام للتعبير: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا
آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}.إنه فعل الحق في الضمائر. ونور
الحق في المشاعر، ولمسة الحق في القلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين.
إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم، ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه. وهم
أعرف الناس بالذي جاء به موسى. فهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر، أو
أنه من القدرة التي تفوق قدرة البشر والسحر.والعالم في فنه هو أكثر
الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له، لأنه أقرب إدراكا لهذه
الحقيقة، ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور. ومن هنا تحول السحرة من
التحدي السافر إلى التسليم المطلق، الذي يجددون برهانه في أنفسهم عن يقين.هزت
هذه المفاجأة العرش من تحته. مفاجأة استسلام السحرة -وهم من كهنة المعابد -
لرب العالمين. رب موسى وهارون. بعد أن تم جمعهم لإبطال دعوة موسى وهارون
لرب العالمين! ولأن العرش والسلطان أهم شيء في حيات الطواغيت، فهم مستعدون
لارتكاب أي جريمة في سبيل المحافظة عليهما.تسائل فرعون مستغربا
{آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ} كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن
يعودوا للحق. لكنه طاغية متكبر متجبر أعمى السلطان عينيه عن الحق. ويزيد
في طغيانه فيقول {إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ
لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا} إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن
تشاور منكم ورضا منكم لذلك، وهو يعلم وكل من له عقل أن هذا الذي قاله من
أبطل الباطل.ويظل الطاغية يتهدد {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ويتوعد
{لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ
لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة
الإيمان، تستعلي على قوة الأرض، وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة
على الحياة، وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية. {قَالُواْ إِنَّا
إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} إنه الإيمان الذي لا يتزعزع ولا يخضع.ويعلن
السحرة حقيقة المعركة {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ
رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا} فلا يطلبون الصفح والعفو من عدوّهم، إنما
يطلبون الثبات والصبر من ربهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين}. فيقف الطغيان عاجزا أما هذا الوعي وهذا
الاطمئنان. عاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق الباطل من جديد. فينفذ
تهديده، ويصلبهم على جذوع النخل.التآمر على موسى ومن آمن معه:
وتبدأ جولة جديدة بين الحق والباطل. فهاهم علية القوم من المصريين، يتآمرون
ويحرضون فرعون ويهيجونه على موسى ومن آمن معه، ويخوّفونه من عاقبة التهاون
معهم. وهم يرون الدعوة إلى ربوبية الله وحدة إفسادا في الأرض. حيث يترتب
عليها بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله.وقد كان فرعون يستمد قوته
من ديانتهم الباطلة، حيث كان فرعون ابن الآلهة. فإن عبد موسى ومن معه الله
رب العالمين، لن تكون لفرعون أي سطوة عليهم. فاستثارت هذه الكلمات فرعون،
وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله ففكر بوحشيته المعتادة وقرر {قَالَ
سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ
قَاهِرُونَ}.لم يكن هذا التنكيل الوحشي جديدا على بني إسرائيل. فقد
نُفِّذ عليهم هذا الحكم في إبان مولد موسى عليه السلام. فبدأ موسى -عليه
السلام- يوصي قومه باحتمال الفتنة، والصبر على البلية، والاستعانة بالله
عليها.وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة لمن يتقي
الله ولا يخشى أحدا سواه {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ
وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.إلا أن قومه بدءوا يشتكون من
العذاب الذي حل بهم {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن
بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} إنها كلمات ذات ظل! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم!
أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك. وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له
نهاية!فيمضي النبي الكريم على نهجه. يذكرهم بالله، ويعلق رجاءهم به،
ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم. واستخلافهم في الأرض. مع التحذير من فتنة
الاستخلاف، فاستخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم، فهو استخلاف للامتحان:
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي
الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.وينقلنا القرآن الكريم إلى
فصل آخر من قصة موسى عليه السلام. ومشهد آخر من مشاهد المواجهة بين الحق
والباطل. حيث يحكي لما قصة تشاور فرعون مع الملأ في قتل موسى.{وَقَالَ
فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ
أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} أما
موسى عليه السلام فالتجأ إلى الركن الركين، والحصن الحصين، ولاذ بحامي
اللائذين، ومجير المستجيرين {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي
وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}.موقف الرجل المؤمن من آل فرعون:كادت
فكرة فرعون أن تحصل على التصديق لولا رجل من آل فرعون. رجل من رجال الدولة
الكبار، لا يذكر القرآن اسمه، لأن اسمه لا يهم، لم يذكر صفته أيضا لأن
صفته لا تعني شيئا، إنما ذكر القرآن أنه رجل مؤمن. ذكره بالصفة التي لا
قيمة لأي صفة بعدها.تحدث هذا الرجل المؤمن، وكان {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}، تحدث في الاجتماع الذي طرحت فيه فكرة قتل موسى وأثبت عقم الفكرة وسطحيتها.قال
إن موسى لم يقل أكثر من أن الله ربه، وجاء بعد ذلك بالأدلة الواضحة على
كونه رسولا، وهناك احتمالان لا ثالث لهما: أن يكون موسى كاذبا، أو يكون
صادقا، فإذا كان كاذبا {فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ}، وهو لم يقل ولم يفعل ما
يستوجب قتله. وإذا كان صادقا وقتلناه، فما هو الضمان من نجاتنا من العذاب
الذي يعدنا به؟تحدث المؤمن الذي يكتم إيمانه فقال لقومه: إننا اليوم
في مراكز الحكم والقوة. من ينصرنا من بأس الله إذا جاء؟ ومن ينقذنا من
عقوبته إذا حلت؟ إن إسرافنا وكذبنا قد يضيعاننا.وبدت كلماته مقنعة.
إنه رجل ليس متهما في ولائه لفرعون. وهو ليس من أتباع موسى. والمفروض أنه
يتكلم بدافع الحرص على عرش الفرعون. ولا شيء يسقط العروش كالكذب والإسراف
وقتل الأبرياء.ومن هذا الموضع استمدت كلمات الرجل المؤمن قوتها.
بالنسبة إلى فرعون ووزرائه ورجاله. ورغم أن فرعون وجد فكرته في قتل موسى،
صريعة على المائدة. رغم تخويف الرجل المؤمن لفرعون.رغم ذلك قال
الفرعون كلمته التاريخية التي ذهبت مثلا بعده لكل الطغاة: {قَالَ
فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا
سَبِيلَ الرَّشَادِ}.هذه كلمة الطغاة دائما حين يواجهون شعوبهم {مَا
أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى}. هذا رأينا الخاص، وهو رأي يهديكم سبيل
الرشاد. وكل رأي غيره خاطئ. وينبغي الوقوف ضده واستئصاله.لم تتوقف
المناقشة عند هذا الحد. قال فرعون كلمته ولكنه لم يقنع بها الرجل المؤمن.
وعاد الرجل المؤمن يتحدث وأحضر لهم أدلة من التاريخ، أدلة كافية على صدق
موسى. وحذّرهم من المساس به. لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها، فأهلكها الله:
قوم نوح، قوم عاد، قوم ثمود.ثم ذكّرهم بتاريخ مصر نفسه. ذكّرهم
بيوسف عليه السلام حين جاء بالبينات، فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن
كادت النجاة تفلت منهم، ما الغرابة في إرسال الله للرسل؟ إن التاريخ القديم
ينبغي أن يكون موضع نظر.لقد انتصرت القلة المؤمنة حين أصبحت مؤمنة
على الكثرة الكافرة. وسحق الله تعالى الكافرين. أغرقهم بالطوفان، وصعقهم
بالصرخة. أو خسف بهم الأرض. ماذا ننتظر إذن؟ ومن أين نعلم أن وقوفنا وراء
الفرعون لن يضيعنا ويهلكنا جميعا؟كان حديث الرجل المؤمن ينطوي على
عديد من التحذيرات المخيفة. ويبدو أنه أقنع الحاضرين بأن فكرة قتل موسى
فكرة غير مأمونة العواقب. وبالتالي فلا داعي لها.إلا أن الطاغية
فرعون حاول مرة أخرى المحاورة والتمويه، كي لا يواجه الحق جهرة، ولا يعترف
بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه. وبعيد عن احتمال أن يكون هذا فهم فرعون
وإدراكه. فطلب أن يبنى له بناء عظيم، يصعد عليه ليرى إله موسى الذي يدعيه.
وبعيدا أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج.
وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور. وإنما هو
الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى.بعد
هذا الاستهتار، وهذا الإصرار، ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية
صريحة: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ
الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ
وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً
فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ
فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى
النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ
بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ
إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ
وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ
النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي
إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}... (غافر).أنهى
الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة. بعدها انصرف. انصرف فتحول
الجالسون من موسى إليه. بدءوا يمكرون للرجل المؤمن. بدءوا يتحدثون عما صدر
منه. فتدخلت عناية الله تعالى {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} وأنجته من فرعون وجنوده.ابتلاء الله أهل مصر:
أما حال مصر في تلك الفترة. فلقد مضى فرعون في تهديده، فقتل الرجال واستحيا
النساء. وظل موسى وقومه يحتملون العذاب، ويرجون فرج الله، ويصبرون على
الابتلاء.وظل فرعون في ظلاله وتحدّيه. فتدخلت قوة الله سبحانه
وتعالى، وشاء الله تعالى أن يشدد على آل فرعون. ابتلاء لهم وتخويفا، ولكي
يصرفهم عن الكيد لموسى ومن آمن معه، وإثباتا لنبوة موسى وصدقه في الوقت
نفسه. وهكذا سلط على المصريين أعوام الجدب.أجدبت الأرض وشح النيل
ونقصت الثمار وجاع الناس، واشتد القحط. لكن آل فرعون لم يدركوا العلاقة بين
كفرهم وفسقهم وبين بغيهم وظلمهم لعباد الله. فأخذوا يعللون الأسباب.
فعندما تصيبهم حسنة، يقولون إنها من حسن حظهم وأنهم يستحقونها. وإن أصابتهم
سيئة قالوا هي من شؤم موسى ومن معه عليهم، وأنها من تحت رأسهم!وأخذتهم
العزة بالإثم فاعتقدوا أن سحر موسى هو المسئول عما أصابهم من قحط. وصور
لهم حمقهم أن هذا الجدب الذي أصاب أرضهم، آية جاء بها موسى ليسحرهم بها،
وهي آية لن يؤمنوا بها مهما حدث.فشدد الله عليهم لعلهم يرجعون إلى
الله، ويطلقون بني إسرائيل ويرسلونهم معه. فأرسل عليهم الطوفان، والجراد،
والقمل -وهو السوس- والضفادع، والدم. ولا يذكر القرآن إن كانت جملة واحدة،
أم واحدة تلو الأخرى.وتذكر بعض الروايات أنها جاءت متتالية وحدة تلو
الأخرى. إلا أن المهم هو طلب آل فرعون من موسى أن يدعو لهم ربه لينقذهم من
هذا البلاء. وبعدونه في كل مرة أن يرسلوا بني إسرائيل إذا أنجاهم ورفع
عنهم هذا البلاء {قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ
عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ
وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ}.فكان موسى -عليه
السلام- يدعو الله بأن يكشف عنهم العذاب. وما أن ينكشف البلاء حتى ينقضون
عهدهم، ويعودون إلى ما كانوا فيه {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ
إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}.لم يهتد
المصريون، ولم يوفوا بعهودهم، بل على العكس من ذلك. خرج فرعون لقومه، وأعلن
أنه إله. أليس له ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحته، أعلن أن موسى ساحر
كذاب. ورجل فقير لا يرتدي أسورة واحدة من الذهب.ويعبّر القرآن
الكريم عن أمر فرعون وقومه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}. استخف
بعقولهم. واستخف بحريتهم. واستخف بمستقبلهم. واستخف بآدميتهم. فأطاعوه.
أليست هذه طاعة غريبة. تنمحي الغرابة حين نعلم أنهم كانوا قوما فاسقين. إن
الفسق يصرف الإنسان عن الالتفات لمستقبله ومصالحه وأموره، ويورده الهلاك.
وذلك ما وقع لقوم فرعون.خروج بني إسرائيل من مصر:
بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى. ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل، ولن يكف عن استخفافه بقومه. هنالك دعا موسى وهارون على فرعون.وَقَالَ
مُوسَى {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً
وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن
سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88)
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ
سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89)}... (يونس).لم يكن قد آمن
مع موسى فريق من قومه. فانتهى الأمر، وأوحي إلى موسى أن يخرج من مصر مع بني
إسرائيل. وأن يكور رحيلهم ليلا، بعد تدبير وتنظيم لأمر الرحيل. ونبأه أن
فرعون سيتبعهم بجنده؛ وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر (وهو في الغالب
عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات).وبلغت الأخبار فرعون أن
موسى قد صحب قومه وخرج. فأرسل أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم. ليدرك
موسى وقومه، ويفسد عليهم تدبيرهم. أعلن فرعون التعبئة العامة. وهذا من شأنه
أن يشكل صورة في الأذهان، أن موسى وقومه يشكلون خطرا فعلى فرعون وملكه،
فيكف يكون إلها من يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر؟!لذلك كان لابد من
تهوين الأمر وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم {إِنَّ هَؤُلَاء
لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا، وعلى أي حال، فنحن
حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور.وقف موسى أمام البحر. وبدا جيش
الفرعون يقترب، وظهرت أعلامه. وامتلأ قوم موسى بالرعب. كان الموقف حرجا
وخطيرا. إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليس معهم سفن أو أدوات لعبور
البحر، كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال. إنهم مجموعة من النساء والأطفال
والرجال غير المسلحين. سيذبحهم فرعون عن آخرهم..المهم في الأمر كله جريمة السامري، وفتنته لقوم
موسى، واستغلاله إعجاب القوم الدفين بسادتهم المصريين، وتقليدهم لهم في
عبادة الأوثان. هذه هي الجريمة التي حكم فيها موسى عليه السلام: {قَالَ
فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ
لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ
عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ
نَسْفًا}.حكم موسى على السامري بالوحدة في الدنيا. يقول بعض
المفسرين: إن موسى دعا على السامري بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما
لم يكن ينبغي له مسه.ونعتقد أن الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة
السريعة. إن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني
والسيادة عليهم، وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ
والوحدة. هل مرض السامري مرضا جلديا بشعا صار الناس يأنفون من لمسه أو مجرد
الاقتراب منه؟ هل جاءه النبذ من خارج جسده؟لا نعرف ماذا كان من أمر
الأسلوب الذي تمت به وحدة السامري ونبذ المجتمع له. كل ما نعرفه أن موسى
أوقع عليه عقوبة رهيبة، كان أهون منها القتل، فقد عاش السامري منبوذا
محتقرا لا يلمس شيئا ولا يمس أحدا ولا يقترب منه مخلوق. هذه هي عقوبته في
الدنيا، ويوم القيامة له عقوبة ثانية، يبهمها السياق لتجيء ظلالها في النفس
أخطر وأرعب.نهض موسى بعد فراغه من السامري إلى العجل الذهب وألقاه
في النار. لم يكتف بصهره أمام عيون القوم المبهوتين، وإنما نسفه في البحر
نسفا. تحول الإله المعبود أمام عيون المفتونين به إلى رماد يتطاير في
البحر. ارتفع صوت موسى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} هذا هو إلهكم، وليس ذلك الصنم
الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.بعد أن نسف موسى الصنم، وفرغ من
الجاني الأصلي، التفت إلى قومه، وحكم في القضية كلها فأفهمهم أنهم ظلموا
أنفسهم وترك لعبدة العجل مجالا واحدا للتوبة. وكان هذا المجال أن يقتل
المطيع من بني إسرائي من عصى.قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ
الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيم (54)}... (البقرة).كانت العقوبة التي قررها
موسى على عبدة العجل مهولة، وتتفق مع الجرم الأصلي. إن عبادة الأوثان إهدار
لحياة العقل وصحوته، وهي الصحوة التي تميز الإنسان عن غيره من البهائم
والجمادات، وإزاء هذا الإزهاق لصحوة العقل، تجيء العقوبة إزهاقا لحياة
الجسد نفسه، فليس بعد العقل للإنسان حياة يتميز بها. ومن نوع الجرم جاءت
العقوبة. جاءت قاسية ثم رحم الله تعالى وتاب. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيم .أخيرا. سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ. تأمل تعبير القرآن
الكريم الذي يصور الغضب في صورة كائن يقود تصرفات موسى، ابتداء من إلقائه
لألواح التوراة، وشده للحية أخيه ورأسه. وانتهاء بنسف العجل في البحر،
وحكمه بالقتل على من اتخذوه ربا.أخيرا سكت عن موسى الغضب. زايله
غضبه في الله، وذلك أرفع أنواع الغضب وأجدرها بالاحترام والتوقير. التفت
موسى إلى مهمته الأصلية حين زايله غضبه فتذكر أنه ألقى ألواح التوراة. وعاد
موسى يأخذ الألواح ويعاود دعوته إلى الله.رفع الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل:
عاد موسى إلى هدوئه، واستأنف جهاده في الله، وقرأ ألواح التوراة على قومه.
أمرهم في البداية أن يأخذوا بأحكامها بقوة وعزم. ومن المدهش أن قومه ساوموه
على الحق. قالوا: انشر علينا الألواح فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة
قبلناها.فقال موسى: بل اقبلوها بما فيها. فراجعوا مرارا، فأمر الله
تعالى ملائكته فرفعت الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة فوقهم، وقيل لهم:
إن لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم، فقبلوا بذلك، وأمروا بالسجود
فسجدوا. وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون إلى الجبل فوقهم هلعا
ورعبا.وهكذا أثبت قوم موسى أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت
أعناقهم بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب وتنثني الأقدام نحو سجود
قاهر يدفع الخوف إليه دفعا. وهكذا يساق الناس بالعصا الإلهية إلى الإيمان.
يقع هذا في ظل غياب الوعي والنضج الكافيين لقيام الاقتناع العقلي.ولعلنا
هنا نشير مرة أخرى إلى نفسية قوم موسى، وهي المسئول الأول عن عدم اقتناعهم
إلا بالقوة الحسية والمعجزات الباهرة. لقد تربى قوم موسى ونشئوا وسط هوان
وذل، أهدرت فيهما إنسانيتهم والتوت فطرته.ولم يعد ممكنا بعد ازدهار
الذل في نفوسهم واعتيادهم إياه، لم يعد ممكنا أن يساقوا إلى الخير إلا
بالقوة. لقد اعتادوا أن تسيرهم القوة القاهرة لسادتهم القدامى، ولا بد
لسيدهم الجديد (وهو الإيمان) من أن يقاسي الأهوال لتسييرهم، وأن يلجأ مضطرا
إلى أسلوب القوة لينقذهم من الهلاك. لم تمر جريمة عبادة العجل دون آثار.اختيار سبعين رجلا لميقات الله:
أمر موسى بني إسرائيل أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه. اختار منهم سبعين
رجلا، الخيّر فالخيّر، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه
التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم.صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.
خرج موسى بهؤلاء السبعين المختارين لميقات حدده له الله تعالى. دنا موسى من
الجبل. وكلم الله تعالى موسى، وسمع السبعون موسى وهو يكلم ربه.ولعل
معجزة كهذه المعجزة تكون الأخير، وتكون كافية لحمل الإيمان إلى القلوب مدى
الحياة. غير أن السبعين المختارين لم يكتفوا بما استمعوا إليه من المعجزة.
إنما طلبوا رؤية الله تعالى. قالوا سمعنا ونريد أن نرى. قالوا لموسى
ببساطة: {يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}.هي
مأساة تثير أشد الدهشة. وهي مأساة تشير إلى صلابة القلوب واستمساكها
بالحسيات والماديات. كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة. أخذتهم رجفة مدمرة
صعقت أرواحهم وأجسادهم على الفور. ماتوا.أدرك موسى ما أحدثه السبعون
المختارون فملأه الأسى وقام يدعو ربه ويناشده أن يعفو عنهم ويرحمهم، وألا
يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم، وليس طلبهم رؤية الله تبارك وتعالى وهم على
ما هم فيه من البشرية الناقصة وقسوة القلب غير سفاهة كبرى. سفاهة لا يكفر
عنها إلا الموت.قد يطلب النبي رؤية ربه، كما فعل موسى، ورغم انطلاق
الطلب من واقع الحب العظيم والهوى المسيطر، الذي يبرر بما له من منطق خاص
هذا الطلب، رغم هذا كله يعتبر طلب الرؤية تجاوزا للحدود، يجازى عليه النبي
بالصعق، فما بالنا بصدور هذا الطلب من بشر خاطئين، بشر يحددون للرؤية مكانا
وزمانا، بعد كل ما لقوه من معجزات وآيات..؟ أليس هذا سفاهة كبرى..؟ وهكذا
صعق من طلب الرؤية.. ووقف موسى يدعو ربه ويستعطفه ويترضاه..يحكي
المولى عز وجل دعاء موسى عليه السلام بالتوبة على قومه في سورة الأعراف:
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا
أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن
قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ
هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء
أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ
الْغَافِرِين (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ
أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ
الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(157)}... (الأعراف).هذه كانت كلمات موسى لربه وهو يدعوه ويترضاه.
ورضي الله تعالى عنه وغفر لقومه فأحياهم بعد موتهم، واستمع المختارون في
هذه اللحظات الباهرة من تاريخ الحياة إلى النبوءة بمجيء محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم.سنلاحظ طريقة الربط بين الحاضر والماضي في
الآية، إن الله تعالى يتجاوز زمن مخاطبة الرسول في الآيات إلى زمنين
سابقين، هما نزول التوراة ونزول الإنجيل، ليقرر أنه (تعالى) بشّر بمحمد في
هذين الكتابين الكريمين.نعتقد أن إيراد هذه البشرى جاء يوم صحب موسى
من قومه سبعين رجلا هم شيوخ بني إسرائيل وأفضل من فيهم، لميقات ربه. في
هذا اليوم الخطير بمعجزاته الكبرى، تم إيراد البشرى بآخر أنبياء الله عز
وجل.يقول ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء، نقلا عن قتادة: إن موسى
قال لربه: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس، يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر. رب اجعلهم أمتي.



قال: ربي إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها. وكان من
قبلهم يقرءون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه. وإن
الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم. رب اجعلهم أمتي.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم، ويؤجرون
عليها، وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق أحدهم بصدقة فقبلت منه بعث الله
عليها نارا فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير. وإن الله
أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم. رب فاجعلهم أمتي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elhwary12.yoo7.com
 
قصة سيدنا موسى عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي عائلة الهواري :: المنتــدى الاسلامـى :: قصــص الانبيــاء-
انتقل الى: